أقلام مغاربية

“سقطَ سهواً” لستُ متفائلا مثلك يا رئيسَ الحكومة

عبد الرزاق بوتمزار

 

 

لا أدري لمَ وجدتُني، منذ البداية، “متشائما” من تفاؤل السيد رئيس الحكومة وهدوء أعصابه واطمئنانه الزائد إلى أنّ كل شيء “تحت السّيطرة” و… “غيرْ تهنّاو، را غيرْ إنفلونزا عاديّة وغادي تْدوز”.. وصولا إلى خطابه “المُطَمْئن” ليلة امس.
لا تسألوني لمَ، لكنْ لم أكن ولستُ متفائلا ولن أكون بشأن كلّ هذا. فرغم إعلان وزارة الصحة شفاءَ إحدى الحالات السّبع المعلنةِ إصابتُها بالوباء حتى الآن، فأنا لستُ متفائلا، بل أنا متشائم، حتى أكون صريحا أكثر. ففي الوقت الذي أبْدت الدول، التي مرّ معظمُها إلى “حالة الطوارئ”، ندمَها على “الاستخفاف” بالمرض في بداية تفشّيه وعلى عدم اتخاذها قراراتٍ جريئةً، ظلّ السيد رئيس الحكومة يخرج إلينا، في كل مرة، ليُطمئنَنا ويؤكدَ لنا أنّ كل شيء على ما يرام و… “السّما صافية والدنيا هانْية”..
لا أظنّ السي رئيس الحكومة، فبلدنا متخلّف (أو حتى سائر في طريق النمو، إن شئت) وبنيتُنا التحتية وتجهيزات مستشفياتنا ومواردها البشرية وأدوات اشتغالها وظروف هذا الاشتغال وتفاصيله، التي صار لدى كلّ مغربي فكرة واضحة عنها، لا تدعو، جميعُها، إلى كلّ هذا الاطمئنان والتّطمين منك السيد رئيس الحكومة. لنفترض فقط أن الفيروس -لا قدّر الله- قد انتشر بين المغاربة.. لنفترضْ ذلك فقط ولنتخيّلْ أيَّ كارثة كبرى ستكون! ربما نحسب ضحايانا بالآلاف والوضعُ كذلك، يا رئيسَ الحكومة.
لقد سارعت دول -لا نقترب منها في أي تفصيل يتعلّق بمستوى منظومة الرعاية الصحية- إلى اتخاذ قرارات صارمة وإلزام مواطنيها بالتقيّد بها حرْفيا. فلمَ لا تتخذون، ولو من باب الاحتياط، قرارات جريئةً حمايةً للناس؟ وبدل مواصلة “طمأنة” المغاربة اسأل معي نفسك، ولو لحظة، هل يُعقل أن كلّ هؤلاء الذين اكتُشفت إصابتهم من الأجانب فقط؟ ألم يُصب أيّ مواطن مغربي من الذين (يُحتمَل) أنهم لم يُعطُوا “شبرْ تيساعْ” (مسافة متر) للشخص “الأجنبي” خلال إقامته بينهم؟ هل لديكم فكرة عن أعداد الذين صوّروا فيديوهات “حيّة” من مطارات ومداخل البلد ومخارجه، وأظهروا فيها -بالصورة والصوت- كيف أنه لم تكنْ هناك مراقبة “ولا هم يحزنون” في كلّ هذه المعابر؟.. وكلّ هؤلاء “التّوريستْ” (السياح) الذين دخلوا البلاد من مختلف دول العالم في ذروة تفشّي الوباء في بلدانهم.. كم منهم قد يكونون -لا قدّر الله- مصابين بالوباء لحظة دخولهم المغرب؟ كم واحدا جاء معهم في طائرة أو سفينة أو حافلة؟ كم واحدا من هؤلاء سينقلون “الجّايْحة” وينقلونها إلى آخرين؟ وهؤلاء الذين لا يزالون منهم عالقين في مطارات المغرب وموانئه وحدوده البرية بعد توقيف حركة الطيران بين بلدانهم.. كم منهم مصابون بالفيروس؟ في أية ظروف يعيشون داخل هذه المطارات والموانئ والمحطات؟ وكمْ من المغاربة يتّصلون بهم ويحتكّون؟ وكم وكمْ وكم… وتلك السيدة، التي قيل إنها أقامت “ليلة” لصديقاتها بعدما حلّت بالمغرب.. ثم الأشخاص الذين أُعلنت إصابتهم، تباعاً.. ما أخبارُهم وأخبار مَن “احتكّوا” بهم.. هل جرى الكشف عنهم أو الحجر عليهم صحيا، مثلا؟ هل نحن أفضل أو حتى نقارَن بإسبانيا وإيطاليا وفرنسا، مثلا؟..
وحتى لا أذهب بعيدا، علمنا الليلةَ -وبالضبط في الوقت الذي كنتَ تخدّر مسامعَنا بعبارات الاطمئنان المعتادة- أن عبد القادر اعمارة، وزير النقل والتجهيز واللوجستيك في حكومتك، مصاب بالوباء.. لم تُخبرنا بذلك، أنتَ بصفتك الحكومية ولا وزيرُ الصحة في حكومتك أخبرَنا.. بل أخبرَتنا بذلك قصاصةٌ لوكالة الأنباء.. فهل تظنّ، و”الحالةُ” هذه، أنْ يصدّق تطميناتِك أحدٌ بعد هذا (بفرض أنّ هناك من كانوا بصدّقونك قبلا)؟ شخصيا، لم أكن منذ البداية مرتاحا لتطميناتِك ولغتك المتفائلة أكثر من اللازم، وفق ما يستجدّ ميدانيا من معطيات.. فهل تستطيع أن تقول لنا متى أصيب الوزير اعمارة بالفيروس؟ أكان ذلك خلال زيارته لهنغاريا؟ إذا كان الجواب بالإيجاب، فلماذا “تستّرت” الحكومة التي تقودها على خبر إصابة أحد وزرائها بـ”الجّايْحة”؟ كيف ينتظر المغاربةُ قصاصة لتخبرهم بأنّ وزيرا في الحكومة أصيب بالوباء ووضع نفسَه وعائلته تحت الحجر الصحي؟ ثم هل حضر اعمارة المجلسَ الحكومي (عُقد الخميس) وهو مصاب؟ هل (ونحنُ نفترض أنّ اعمارة حضر الاجتماع مصابا) أُخضِع الوزراء الذين حضروا اجتماع المجلس الحكومي للفحوص الطبية؟ وما دواعي تجنّبك الحديثَ عن “حالة” الوزير خلال اللقاء الخاص الليلة؟ ثم ماذا عن أفراد الوفد الذي رافق اعمارة إلى هنغاريا؟.. وكم شخصا سيكون اعمارة قد التقى، في حزبه أو وزارته أو في محيطه الاجتماعي، منذ إصابته؟ وماذا عن مسؤوليات هذا الوزير؟ وكيف سيؤدّيها وهو في هذا الوضع؟
ودعْني، بدل أن أواصلَ طرح أسئلة ربما تعرفُ جيدا أنك لا تملك لها أجوبة، أخبرْك بأنّ “حالةَ” السيد اعمارة فقط وما رافقها من “غموض” وصمت من حكومتكم، تعدّ “سابقة” صحية وقانونية وسياسية “خطِرة” بالنظر إلى ارتباطها بمؤسّسات الدولة… فهل ستطلع علينا، غدا، في لقاء آخَر، لكي “تُطمئنَنا” مجدّدا وتقول إنّ “الدّنيا هانْية وْالسّما صافْية”، رغم أنّ الوباء صار أقربَ إليك من حبل الوريد؟!
مزيداً من الوضوح والشّفافية، رئيسَ الحكومة المحترم، فنحن في أزمنة ما عادت تُخفى فيها الأمور، فلتكنْ أكثر صراحة في لقاءاتك المقبلة. ولتكنْ ووزراءَ حكومتك، وهذا هو المهم، مستعدّين لأخذ الأمور بجدّية أكبر وبرغبة أقوى في مجابهة الوضع، لأنّ الأمور لا تُطَمئِن بكلّ ذلك القدر الذي يبدو لك. الأمور لا تُطَمْئن، صدّقْني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *